فضاء حر

اليمن التي نريد!

يمنات
وفقا للسياق التاريخي, كان لليمنيين حضور في إطار دولة ونشاط اقتصادي يمتد إلى خارج اليمن في القارات الثلاث.
كان النظام السياسي حصيلة ائتلاف وتوافق مجتمعي وسياسي يستهدف تعزيز الهوية السياسية, وكانت الدولة تتشكل وفق محددات التاريخ ومنطق الجغرافيا والإدارة القوية للتكوينات الاجتماعية بطموحاتهم نحو تعزيز هويتهم وحضورهم الفاعل في إقليم غارق في البداوة, في زمن كانت المدينة والدولة من نصيب حضارات على ضفاف الأنهار.
ومع تنقلات الزمن بمراحل كبيرة تجمد المشهد اليمني, في حين تحرك الآخرون تدريجيا, وكانت النقلة الكبيرة لهؤلاء مع ظهور النفط ضمن فاعلية الإنتاج الرأسمالي المستكشف والمنتج والمخطط لهذه النقلة التحديثية, هنا غرق اليمنيون في صراعاتهم من أجل استملاك السلطة والثروة التي ارتبطت بحضور الدولة التي لم يكتمل نموها. ومع انطلاق الآخرين على فضاء الحداثة السياسية بتخفيض نسبة الارتباط بالبداوة وتنظيماتها الجهوية والمذهبية, تحرك اليمنيون نحو ذات الفضاء حاملين على ظهورهم وفي رؤوسهم بداوتهم ومذهبيتهم, بل وتم مباركة هذه الحمولة السلبية بشكل مباشر من دول النفط التي سخرت ولا تزال تسخر من اليمن واليمنيين, لأنهم وقعوا في فخ الصراع الداخلي وتدمير مسارات النهوض والتحديث, وأكثر مظاهر السخرية ما يحدث اليوم من إصرار للتدمير, وبتمويل خارجي مباشر وبتخطيط معلن يستهدف اليمن واليمنيين, وهنا تبرز اللعنة التاريخية التي حلت باليمن من أيام سبأ, ولا تزال تسحب مفاعيلها حتى اليوم.
فما يحدث من تدمير ممنهج للدولة وللجغرافيا ونهب للثروة وإهدارها, وتشويه الصورة التاريخية والرمزية لليمن وتحقير الوجود الاجتماعي والسياسي, إنما يصب في خدمة مجموعة من الأفراد والعائلات ذات الارتباط بالخارج الإقليمي والدولي, ويتجلى هذا الارتباط في أيامنا, حيث السفارات في صنعاء تنفتح لهؤلاء جهازا نهارا (هناك خمسون عائلة تحظى بدعم الخارج الإقليمي والدولي, ولممثليها حضور دائم في الحكومة ومختلف أجهزة الدولة) الجدير بالذكر أن رموز القوة الاقتصادية القدامى والجدد, بتحالفاتهم مع العسكر والقبيلة, تتشكل معهم نزعات ونزوات التسلط والاحتكار, مع إلحاح في تغييب الهوية الوطنية, بل ويأخذون هم صورة منقولة عن أخرين فتظهر صورتهم بشكل مشوه وجوداً ووعيا.
ومع متغيرات عالمية متعددة وغير مسبوقة, ووفق بروز وعي حداثي لدى قطاع من المجتمع, تزايد طموح الغالبية بدولة مدنية ضمن الجغرافية الطبيعية لليمن؛ فكانت الوحدة التي أعلن عنها سلما, فعاش أبناء السعيدة شهرا من الفرح أنعش تطلعهم نحو آفاق واسعة من الفرص والنماء والخير, ثم سرعان ما نطفأ هذا الفرح, والتطلع بحرب عدوانية أظهرت الجهل المسلح بكل بداوته وتخلفه, هنا أجهض المشروع الوحدوي والإنمائي برمته, وهنا دخلت البلاد نفقا تزايدت ظلماته حتى أعلى مراحلها, وهنا أيضا ظهر بجلاء المشروع الجهوي العائلي من خلال استملاك السلطة والثروة.
وكانت انتفاضة الشعب في فبراير نقلة نوعية في بلورة الإرادة الشعبية والسياسية نحو التغيير وكسر حلقات الاستملاك, بل ونفي فكرتها ومبرراتها. وهو ما عشناه أربعين يوما بالتمام والكمال, انتهت يوم نزول العسكر والقبيلة الى ميادين التغيير, وكانت المبادرة مثل لعنة سباء حيث ترتب عليها وأد الثورة بكل دلالات التغيير والتجديد, وهنا تم إعادة النظام السابق بصورة أقبح مما كان عليه.
وهكذا أجبرنا مرة أخرى على أن نعيش حياة البؤس والفوضى وتدمير كل المكتسبات السابقة, مع أننا حملنا بصورة جديدة لليمن ترفع من كرامة الفرد وكرامة البلاد وتعلي من قيمتها وحضورها, عبر نظام مدني ديمقراطي محوره المواطنة والنزاهة والتنمية والعدالة الاجتماعية وتداول السلطة, وهي صورة تستحقها اليمن.
لكن ليس كل ما يتمناه اليمنيين قابلا للتحقق والحضور, هنا تم قهر إرادة المجتمع وطمس وعيهم وإعادة ربط حركتيهم بمراكز قوى كانت الثورة ضدهم, واستهدفت إخراجهم من حسابات الدولة والسياسية؛ لتتحول اليمن التي نريد إلى صورة في المخيال الاجتماعي والشعبي في انتظار المخلص القادم أو في انتظار استرداد الوعي الشعبي والجمعي عبر انتفاضة ثورة تعيد الاعتبار للدولة وللمجتمع, وتضع اليمن بصورة أفضل وأجمل في سياقاتها, محليا وإقليميا وعالميا, لتتجلى باسمها القديم العربية السعيدة.
عن: الشارع

زر الذهاب إلى الأعلى